ماهي المشكلة في نموذج تعليم التصميم الحالي

تعلم التصميم

عبدالله الجهني - 12-06-2019

ماهي المشكلة في نموذج تعليم التصميم الحالي

مدة القراءة المتوقعة: 2:20 دقيقة

في السنوات الأخيرة بدأ التصميم في الإستحواذ على مساحة تأثير أكبر مما كان عليه مسبقاً .. فبينما كان ينظر إليه في السابق على أنه فقط أداه مساعدة لتجميل الأشياء أصبح الان يستخدم إستراتيجياً لحل مشاكل أكثر تعقيداً من مجرد الشكل الخارجي والجمال. هذا التغيّر في فهم التصميم ما هو إلا تطور طبيعي كون التصميم لديه هذه القدرة العظيمة نحو حل المشاكل بشكل أكثر بساطة وفعالية وبتمحور إنساني حول المستخدم الأخير للحل وقدراته وثقافته وأسلوب حياته.

هذا الفهم الصحيح والعميق للتصميم أراه غائباً بشكل عام عن مجتمع التصميم في المقام الأول وعن بقية المجالات التي يمكن أن تستفيد من التصميم في صناعة حلول مبتكرة لمشاكلها.

في هذا المقال سأحاول قدر الإمكان تسليط الضوء على أهمية تغيّر طريقة تعلمنا وتعليمنا للتصميم بما يتناسب مع هذا الفهم ولضمان مستقبل أفضل للتصميم وإستخدامه كمنهجية وأداة لصنع حلول مبتكرة.

التصميم أكثر من مجرد تنفيذ بصري

في معظم الطرق التي يتم بها تعلم وتعليم التصميم تكون البداية بتعلم أدوات التنفيذ للجانب البصري من التصميم. على سبيل المثال برامج أدوبي كالإليستريتور و الفوتوشوب و الإنديزاين أو على مهارات كالرسم أو نظريات الألوان. ويتم إغفال الركائز الأخرى للتصميم وهي حل المشاكل والوظيفية. أهم ما في التصميم ليس القدرة على تنفيذ منتج جميل لكنه قبل ذلك القدرة على تنفيذ حل إبداعي مبتكر للمشكلة المراد حلها بوظيفية مميزة وتجربة إستخدام متمحورة حول الإنسان.

وبالتالي ما أؤمن أنه الطريقة الصحيحة في تعلم التصميم هي التركيز والبدء بتعلم التصميم كعقلية وطريقة تفكير ومنهجية لحل المشاكل بالتمحور حول المستخدم الأخير. تعلم مهارات البحث في المشكلة، فهم الفئة المستهدفة، توليد الأفكار الإبداعية، النمذجة … الخ.
ومن ثم الإنتقال لدراسة مفهوم التصميم الوظيفي وكيفية صناعة تجربة إستخدام سهلة بسيطة واضحة تأخذ بعين الإعتبار المستخدم الأخير وإحتياجه وقدراته وثقافته ونمط حياته.

وبعدها يأتي دور التنفيذ أو التصميم البصري وتعلم أدوات إخراج الحل التصميمي بالشكل الجميل الذي يدعم ويضاعف قيمة الحل الوظيفي الذي قمنا بصناعته.

خطأ تدريس التصميم في كليات الفنون

واحدة من أكثر القرارات التي أثرت على فهمنا الخاطئ للتصميم وربطه بالفن - مع الفروقات الكبيرة بينهما- وبالجانب البصري فقط هو تدريس التصميم كتخصص في كليات الفنون وبالتالي التركيز على دراسة الجانب الفني البصري من التصميم بعيداً عن الحل والوظيفية والتي هي الركائز الأساسية التي تسبق الجانب البصري الفني.

الطلاب في هذه الكليات لا يتطرقون لعلوم ومجالات تعد أساسية لبناء مصمم جيد كتخصصات البزنس وبناء المشاريع التجارية، العلوم الإجتماعية والنفسية، التكنولوجيا، وكذلك العلوم الإدارية.
التطرق لكل هذه المجالات يوسع مدارك المصمم ويعطيه المهارات اللازمه ليصنع التأثير الإيجابي الإبداعي المتوقع منه.

وبالتالي فتدريس التصميم في كليات تصميم متخصصة ضرورة قصوى أولاً لصناعة وعي مختلف عن التصميم كأداة لصناعة حلول إبداعية في جميع المجالات وأنه لا يقتصر على وظيفة صنع الشكل الجميل الأشياء. وثانياً لتمكين الجيل القادم من المصممين بالأدوات والمعارف اللازمة للإفادة والإستفادة من التصميم.

التصميم ليس حكراً للمصممين

إذا فهمنا أن التصميم ليس برامج أدوبي ولا الرسم ولا الجانب الفني لكنه التخصص الأفضل لإيجاد و صناعة حلول مبتكرة متمحورة حول الإنسان بوظيفية وتجربة صحيحة ومميزة وبشكل جميل فهذا لازماً يعني أن التصميم أداة يجب أن لا تكون محتكرة لأشخاص بعينهم لكنه مهارة ومنهجية وطريقة تفكير يجب أن يعرفها الجميع ويدرسها الكل في مختلف التخصصات. التصميم في الطب يعني حلول طبية أفضل، التصميم في الهندسة يعني حلول هندسية أفضل، التصميم في الإدارة يعني حلول إدارية أفضل … الخ
أفضل من ناحية كونها مبتكرة وأكثر إبداعاً، ومن ناحية تمحورها حول الإنسان، ومن ناحية الوظيفية وتجربة الإستخدام التي تقدمها.

أخلاقيات التصميم وأهميتها

لدينا نحن المصممون قوة عظيمة بأيدينا. فالتصميم بشكل مباشر يعيد تشكيل المستقبل من خلال الحلول المبتكرة التي يقدمها. كل منتج تستخدمه أو تجربه تعيشها في يومك تأكد أن وراءها قراراً تصميمياً جعلها تخرج بهذه الكيفية. وهذا يعني أن أي منتج أو خدمة أو إبتكار سيصنع في المستقبل سيكون للتصميم التأثير الأكبر في الكيفية التي سيخرج بها.
والتصميم بالفهم العميق الذي يصنعه عن الفئة المستهدفة، طريقة تفكيرهم، نمط حياتهم، نفسياتهم، سلوكهم … الخ يمكنه من إستخدام هذا الفهم بطريقة إيجابية لصنع تأثير إيجابي عظيم في العالم وعلى حياة الناس لكنه في نفس الوقت يعطي قوة يمكن أن تستخدم بطريقة غير أخلاقية وغير محسوبه قد ينتج عنها أثر سلبي هائل.

أمثلة كثيرة يمكن أن نطرحها تحت مجهر التساؤل .. ممارسات التسويق الحالية والتي تم تصميمها بالإعتماد على جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الأشخاص وإستهدافهم من خلالها. أو منصات التواصل الإجتماعية التي تم تصميمها لربط المستخدم بها إرتباطاً إدمانياً. أو تصميم المنتجات بالإعتماد على مواد أقل اهتماماً بالأثر البيئي التدميري طويل الأمد على كوكبنا وصحة الناس. أو تصميم تجارب التسوق التي تشجع على الإستهلاك الغير محسوب وربما حتى بالتأثير على الناس للإدمان الشرائي الغير واعي. والقائمة تطول لمشاكل الأمن، الخصوصية … الخ وهذا فقط غيض من فيض.

كل هذا يدعونا إلى التأكيد في تعليم التصميم على الجانب الأخلاقي للتصميم وكيفية إستخدام هذه القوة ومحورتها لخدمة الإنسانية لا خدمة مصالح جشعه لا أخلاقية.

Abdullah Aljohani