الفن بين هامش الإبداع وهامش القلق

جزالة تصميم

دفعتني تدوينة نشرها الصديق عبدالعزيز المقبالي حول (التصميم بين الوظيفة والجمال ) للبحث عن مسودة أفكار كنت كتبتها في وقت سابق عن الفرق بين أن تصمم من أجل المتعة وأن تصمم للأغراض التجارية، شعرت بأن هنالك تسلسلا وارتباطا ما بينهما..حين عدت لقرأتها وجدت أنه من الجيد مشاركتها فاستجمعت وقتي لترتيبها بعد أن كانت موزعة بين مذكرة صوتية ورؤوس أقلام كتبتها في هاتفي

برغم كوني مغرما جدا بـ “آرت نوفو” وكل توجهاته ومظاهره الفنية إلا أن مثل هذه الاتجاهات الفنية ليست قابلة (للتوظيف) بشكل دائم في تصاميمٍ كالشعارات والملصقات الإعلانية لأنها- باختصار – لا تخدم الأغراض التجارية بالمقارنة مع اتجاهات أحدث

عادة أقوم بتحدي نفسي في تصميم شعارات ثم أقوم بإطلاق أسماء لها من خيالي وأواصل العمل على تحسينها وتطوير نسخ عدة منها بغرض تطبيق وترتيب الأفكار التي أتعرض لها بشكل يومي أثناء جلسات التغذية البصرية ،في هذه الاعمال هامش الإبداع يكون في أقصى حالاته وهامش القلق يوشك أن يكون معدوما ، فأنت صاحب العمل وأنت المتحكم بوقت تسليمه لارشيفك الخاص

 

هامش الابداع..وهامش القلق

هامش الابداع هو تلك القوة الذهنية الناعمة التي ما تتوقف عن الدفع بأفكارك نحو تصميم فني غير مشروط تشبع به رغبتك في تجسيد فكرة في عمل فني ـ ذا بهجة.

أما هامش القلق فهو كل ما من شأنه أن يشتتك أو يقلل من إبداعك ،هامش القلق يتزايد بمسببات بعضها داخلي كخوف المصمم من مشاركة مصادر إلهامه أو موارده القابلة للمشاركة وأحيانا مشاركة أعماله وخوفه من الانتقاد،أما المسببات الخارجية فأبرز مثال لها هو ذلك الهاجس المتعب الذي ما ينفك يذكرك كل لحظة بأن موعد تسليم العمل لعميلك بقي عليه أسبوعان -مثلاـ أو أقل من ذلك بكثير وأنك لن تتمكنَ من إنهاءه بالشكل المطلوب في الوقت المحدد، وأنك إن أنهيته في الوقت المحدد فإن احتمالية أن لا يُعْجَب به العميلُ تبقى واردةً ومعها أيضا إحتمالية دخولك في حالة إحباط بسبب تعليقٍ غيرِ موفق من عميلك.

العلاقة عكسية بين هذين الهامشين الذين يؤطران أي تصميم (وأي نتاج بصري بشكل عام) وينعكسُ تأثيرهما على جودة التصميم -في المدى القصير- وعلى جودة التفكير الإبداعي والحِس النقدي لدى المصمم (والفنان) -في المدى البعيد

 

 

التفكير الإبداعي والحس النقدي

التفكير الابداعي حالة تكثيف ذهني حسي ترفدها المعرفة الثقافية قبل كل شيء والتغذية البصرية المستمرة والتجربة التراكمية للمصمم (والفنان بشكل عام) ، وكل هذه المعطيات مجتمعة من شأنها أن تحدد مستوى الحس النقدي لدى المصمم

فقدرتك على تقديم النقد الفني لأعمالك الشخصية قبل أعمال الآخرين تحدد عمق تجربتك الفنية وهي الضامن لك للإستمرار بتعدين أفكارك دون الوصول إلى حافة النضوب وهي المعين لك لترتيب أرفف المعرفة التراكمية والتي بدونها تبقى غير مرتبة في ذهنك وغير قابلة للقولبة والاستفادة منها للخروج بأعمال فنية جديدة تتحدى فيها ذاتك ووتجاوز فيها مستوى أعمالك التي تعودتها

أما أن تمتلك موهبة في مجال فني معين دون رغبتك في تنميتها والخروج من منطقة الأمان -إن صحت الترجمة- ظنا منك بأنها كافية وحدها للمحافظة على توهج إنتاجك الفني فتلك ليست فكرة صائبة مطلقا

عدم تجرؤك على تقديم رأيك أو نقدك الفني ـ في محيطك أو مع ذاتك ـ هو تعطيل لحسك وقتل بطيء لمعرفتك ودخول في إحدى دوامتين، دوامة الرتابة والتقادم،ودوامة الإغراق الفني حيث تميل أعمالك شيئا فشيئا لتكثيف وتعقيد الجانب الفني وتسطيح الفكرة التي تعتبر الموجه لاي عمل فني تصميما كان أو إعلانا وعدم وضوحها يجعل من العمل الفني عملا منزوع القيمة (خال من الجدوى التجارية) للإبهار السريع والاستهلاك السريع تماما كالوجبات السريعة

على المستوى المهني عدم وجود محددات للعمل الفني مثبط للإبداع فهو مثل محاولة “السباحة في مياه مفتوحة” ووجودها كتلك التي يحصر فيها العميل إبداع المصمم في وقت زمني قصير جدا هو أشبه بمحاولة السباحة في كوب ماء،أما الحالة المثالية ..هو أن يحصل المصمم على ما يحتاجه من معلومات توجّه إبداعه ولا تحدّه بالكم والكيف الذي يتوافق مع نَفَسِه الإبداعي ..

 

همسة أخيرة: لمدراء الأقسام الإبداعية في وكالات الدعاية والإعلان وشركات التصميم.. دللوا مصمميكم وكتابكم الإبداعيين كما تدلل لورباك أبقارها :)