التصميم العاطفي: كيف نتفاعل عاطفياً مع الأشياء
عبدالله الجهني - 09-03-2020
التصميم العاطفي: كيف نتفاعل عاطفياً مع الأشياء
مدة القراءة المتوقعة: 2:09 دقيقة
حتى تكون تصاميمنا إستثنائية لا يكفي أن نعرف كيف يتفاعل المستخدمون معها لكن يجب أن نعرف لماذا يتفاعلون معها بتلك الطريقة؟ لماذا يشعر بعضهم بالمتعة تجاه مثلاً تغليف منتج ما؟ أو الشعور بالولاء تجاه شركة ما؟ ولماذا يشارك البعض تجاربهم مع خدمة ما والبعض الآخر لا؟
كل هذه الاسئلة تندرج تحت مفهوم التصميم العاطفي والذي يعنى بإنشاء منتجات وتصاميم تثير المشاعر والعواطف المناسبة من أجل خلق تجربة إيجابية لمستخدم ذلك المنتج أو التصميم. فالعواطف تلعب دورًا رئيسيًا في قدرتنا كبشر على فهم العالم والتعرف عليه. فالتجارب الإيجابية تثير فضولنا ، بينما تحمينا التجارب السلبية من تكرار الأخطاء. وهذا التفاعل العاطفي مع الأشياء يحدث معنا على ثلاث مستويات (كما قسمها دون نورمان في كتابه التصميم العاطفي) والتي سأشرحها بشكل مبسط في هذا المقال بإذن الله.
مستوى (الغريزة والجمال الظاهري)
هذا المستوى يتمحور حول الشكل والصفات الظاهرية للأشياء ويأتي من المشاعر الفطرية الغريزية التي نمتلكها كبشر. في هذا المستوى يتكون الارتباط العاطفي مع الأشياء فقط لأنها تتماشى مع قوانين الجمال التي جُبلنا وخلقنا عليها كبشر. ولا علاقة للعقل أم المنطق بالأمر أبداً.
في الغالب على هذا المستوى يتفق الناس على مقاييس ومعايير واحدة للصفات المفضلة والجميلة المقبولة و العكس كذلك. فعلى سبيل مثال نحن (بشكل عام كبشر) متفقون على تفضيل النكهات الحلوة على المرّه، الألوان الزاهية للربيع على الألوان الترابيه القاحلة الصحراوية، الاشكال الانسيابية على الاشكال الحادة … الخ
التصميم لهذا المستوى يتم من خلال العمل على الصفات الفيزيائية للأشياء نتحدث هنا عن المظهر، الملمس، النغمة، الألوان … الخ. وليس على مستوى الجدوى أو الوظيفية أو سهولة الاستخدام.
والسناريو الأمثل لنتيجة تصميم جيد على هذا المستوى هو بأن تكون ردة الفعل تجاهه بـ “ واو .. أريد هذا المنتج” ثم قد يأتي الدور على السؤال عن الوظيفية: “ ما الوظيفة التي يقدمها هذا المنتج أصلا؟” ثم قد يتبعها السؤال عن السعر: “ وبكم سعره؟”.
كمثال على هذا النوع من التصميم ما فعلته آبل في إصدارها لأجهزتها متعددة الألوان, حينها كانت أجهزة الكمبيوتر تأتي بأقل الصفات الجمالية الظاهرية وباللون الأسود أو تدرجات الألوان الترابية. كان الاهتمام فقط بالآداء والصفات الوظيفية لا بالجماليات. تركيز آبل في هذا المجموعة الثورية على مستوى التصميم الذي يخاطب المشاعر الغريزية والعميقة قفز بالمبيعات إلى مستويات غير مسبوقة وتقريبا أصبح الكل يريد امتلاك هذا الجهاز، إن لم يمتلكه بالفعل.
مستوى السلوك و الآداء
في هذا المستوى من التصميم كل الأمر يدور حول المنطق، والعقل .. كل الأمر يدور حول الإستخدام. المظهر لا يعني شيء إنما الآداء وسهولة الإستخدام والوظيفية العالية. في هذا المستوى نحن نحب الأشياء ونفضلها لأنها تسهل عملنا، لأنها عملية، سهلة الإستخدام، واضحة، تؤدي الغرض منها كما يجب ،كما نتوقع.
و بشكل أساسي التصميم السلوكي يتكون من أربعة عناصر هي : الوظيفة، سهولة الفهم، سهولة الإستخدام، و الشعور الفيزيائي (الملمس مثلا) للمنتج. وبالتالي فإن التمحور هنا يكون حول فهم كيف سيستخدم المنتج و ممن، ثم تصميمه لصنع تجربة مميزه على مستوى العناصر الأربعة السابقة.
في الأغلب على مستوى التصميم السلوكي تأتي الوظيفية كقيمة أساسية للمنتج، فلا أهمية لساعة لا تعطي التوقيت بدقة، أو كوب مقبضه في الأسفل! لذلك فأول اختبار ( سلوكي ) يجب أن يجتازه المنتج هو أنه يلبي و يفي بالغرض والوظيفية المطلوبة منه. والتصميم على هذا المستوى يتطلب ملاحظة جيدة لسلوك المستخدم مع أي منتج حالي أو مع مشكلة ما ومحاولة اكتشاف احتياج غير ملبى وبالتالي تصميم حل مبتكر وظيفي صحيح.
الساعة من كاسيو الموجود قي الصورة أعلاه مثال على التصميم السلوكي المحض. صحيح أنها لا تعكس متطلبات الجمال لكنها عملية جداً .. دقيقة، فعالة، تؤدي الوظيفية المتوقعة منها بالكامل. فيها خدمات كالتاريخ٫ منبه، ساعة توقف، مقاومة للماء٫ عملية، رخيصة والأهم انها دقيقة في حساب الوقت. للشخص الذي يريد امتلاك ساعة من أجل وظيفتها هذه الساعة واحدة من الخيارات المثالية.
مستوى الانطباعات
التصميم لهذا المستوى لا يدور الأمر حول المنطق والإستخدام أو الغرائز والصفات الجبلّيّة لكنه يدور الرسالة، الثقافة، والأنعكاس على الشخصية الذي يعطيه المنتج. وكذلك الصورة الشخصية والانطباعات التي يرسلها المنتج للآخرين عنك. هنا تكون الكلمة الأكبر للقيمة المعنوية التي يجلبها المنتج لا المنتج و وظيفته ذاتها.
يمكننا فهم هذا المستوى من خلال مقارنة ساعة كاسيو بالساعة الأخرى في الصورة من انيكورن والتي تركز بشكل عميق على التصميم من ناحية الجمال الظاهري وكذلك الإنطباعات التي يخلقها التصميم كصورة ذهنية عند الاخرين حول من يرتديها، هذه الساعة مقارنة بالساعة من كاسيو ليست مباشرة وواضحة الإستخدام، و ليس فيها إلا وظيفة واحدة ظاهربة (معرفة الوقت)، وأيضاً هي غالية السعر. لكنها على المستوى الانطباعي ملفته بالتفرد الذي تعرض فيه الوقت - من خلال الظل - وبالتالي تعطي انطباعات معينة حول شخصية مرتديها.
وكمثال آخر - في الغالب - الفتاة التي تشتري شنطة يد من شانيل ب 18 ألف ريال هي لم تشتريها للبحث عن الوظيفية: حمل أغراضها مثلا، لكنها دفعت هذا المبلغ مقابل الانطباع الذي سيخلقه هذا المنتج عند من سيرونه معها٫ الصورة الذهنية، ما تؤمن به ،اهتماماتها، قيمها … الخ.